منظومتي على منظومتك

مرهف: مستحيل! هلكني! كل ما جبتلو دليل أو حجة بيقول هاد في رد عليه، وهداك في رد عليه... كل شي في ردّ عليه!

رؤى: بس مزبوط حكيو، في ردود على كل هالشبهات

مرهف: إي بس شو هالردود! يعني مستحيل يكون مقتنع فيها عنجد، يا عميضحك عليي يا على حالو. هالشخص ما فيو جنس العقلانية

رؤى: ما فيو عقلانية؟ كيف بقى؟

مرهف: العقلانية هي القدرة على تغيير القناعات بناء على الأدلة، هالشخص شايفتيه فارقة معو الأدلة؟

رؤى: إي فارقة معو، هو بس عميشوف أدلتك غير كافية أو غير مقنعة

مرهف: إي لأنو مالو عقلاني، الأدلة اللي قدمتها واضحة متل عين الشمس

رؤى: مزبوط، حسب منظومتك التحليلية

مرهف: حسب منظومتي التحليلية؟ كيف يعني؟

رؤى: طيب سؤال، أنت مو برأيك العلم التجريبي هو أكتر المجالات عقلانية؟

مرهف: أكيد، العلم التجريبي تاج العقلانية

رؤى: وهو دائماً مبني عالمشاهدات وعلى إجراء القياسات. مزبوط؟

مرهف: أكيد مزبوط، هاد الشي اللي بيميزو

رؤى: طيب بتعرف إنو توماس كون، أحد أشهر فلاسفة العلم، ومؤلف كتاب "هيكل الثورات العلمية"، بيقول إنو "كل المشاهدات محملة بالنظريات المسبقة"

مرهف: شو يعني؟ ما فهمت

رؤى: يعني أي تجربة، أي مشاهدة، أي قياس، أي دليل، كلهم ما إلهم معنى من دون منظومات تحليلية سابقة نحللهم وفقاً لإلها. هي المنظومات بيسميها هو تحديداً بارادايمز paradigms،  بس ما علينا بالأسامي. الفكرة إنو المشاهدات من دون تحليلات تنبني عليها ما إلها أي معنى. 

مرهف: ما عمأفهم كيف ما إلها معنى؟

رؤى: فكّر مثلاً بحاسة الرؤية عندك، أنت في بعيونك خلايا حساسة للضوء، هي الخلايا هي اللي بتجبلك المشاهدات، بس لحالها ما بتعمل أيا شي، بلا ما تكون مربوطة بأنظمة عصبية موجودة بدماغك قادرة على تحليل الصورة وفصل أجزاءها وربطها بمعارفك التانية وووو... أنت لما تقول إنك شايف قدامك دب قطبي أحمر، أنت عمتعمل هالاستنتاج انطلاقاً من منظومة تحليل الرؤية عندك كاملةً، مو من عيونك لحالها

مرهف: بس هالشي معناتو إنو حتى لو في قدامي دب قطبي أحمر، ممكن حللو غلط وفكّرو غزال بنفسجي؟

رؤى: إي ممكن، من هون بيجي الخداع البصري. شوف مثلاً هالصورة تحت، أيا الخطين أطول؟

 


مرهف: التحتاني

رؤى: غلط، تنيناتهم بنفس الطول. هاد الشي بيسموه وهم مولار-لاير Muller-Lyer Illusion، وهو أحد الأمثلة يللي منظومتك التحليلية بتخطئ فيهم. مع إنو نفس الضوء عميفوت على خلايا عيونك الحساسة، عمتشوف واحد منهم أطول من التاني.

مرهف: لعمش...

رؤى: هي اللعمش، بيسميها توماس كون ثورة علمية. لأنو صار عندك منظومة تحليلية جديدة. المشاهدة لساتها نفسها قدام عيونك، بس بمنظومتك القديمة هي دليل على إنو التحتاني أطول، بينما بمنظومتك الجديدة هي دليل على انحيازات النظام التحليلي بالبصر.

مرهف: طيب، بس لنرجع لموضوعنا الرئيسي، أنا عندي منظومة تحليلية وهو عندو منظومة تحليلية، بس أكيد في وحدة أفضل وأصح وأكتر عقلانية من التانية. ما هيك؟

رؤى: مبلى

مرهف: ممتاز، طيب كيف منعرف أيا وحدة اللي أحسن؟؟

رؤى: هون المشكلة، الفلاسفة كتير جربوا يحطوا تعريف واضح ومحدد ومجرد ليقرروا أيا منظومة أحسن من التانية، وحكوا عن البساطة، وعن الالتزامات الأنطولوجية، وعن...

مرهف: الإلتزامات الأنطو شو هيّة؟

رؤى: ما علينا، الفكرة إنو لهلأ ما حدا قدر يحط تعريف كامل إلا وطلّعوله نقاط ضعف وفنّدوه. مشان هيك المعيار اللي منعتمد عليه أكتر شي بالعلم التجريبي هو النجاح العملي. يعني إذا بناءً على هالمنظومة الجديدة عمنحقق نجاحات ونجيب تنبؤات ونبني طيارات ولقاحات وكمبيوترات، معناتا هالمنظومة أحسن

مرهف: إي بس هاد مو دليل قاطع

رؤى: مزبوط، عمقلك هو معيار عملي. بدك فيك تروح تكذب نظرية آينشتاين وتقول أنا مع نيوتن، وتقول عندي كتير تنبؤات صح، والتنبؤات الخطأ هي بسبب شذوذ في بعض المعطيات. فلسفياً ما في شي بيمنعك، بس رح تلاقي جماعة آينشتاين عميجيبوا كل التنبؤات وبلا شذوذ وعايشين ومبسوطين، وأنت عمتتعذب وعمتعطي نتائج فايتة بالحيط

مرهف: طيب بس نحنا شطحنا كتير هلأ، يعني إذا تنين عميتناقشوا بالدين، كيف فينا نعرف مين منظومتو أحسن؟ نحنا تنيناتنا لا فينا نبني سيارات ومصانع بمنظوماتنا، ولا فينا نعمل تنبؤات. أكيد لازم يكون في طريقة للواحد يقدر يقنع التاني أنو منظومتو أحسن!

رؤى: ما بعرف شو بدي قلك. عنجد ما في طريقة موحدة، الدليل نفسو ممكن يكون إلو معنيين مختلفين تماماً حسب المنظومة التحليلية، يعني مثلاً تشابه قصص الدين الإسلامي مع الأديان الإبراهيمية واختلافو مع الأديان التانية متل الهندوسية هو حسب منظومتك دليل على إنو أخد من هالأديان، وحسب منظومة خصمك دليل إنو هالأديان من خالق واحد. والاختلاف بتفاصيل بعض هالقصص هو عندك دليل إنو صار في خطأ بالنقل، وعندو دليل إنو الأديان التانية محرفة. 

مرهف: ...

رؤى: أغلب الأدلة اللي أنت فيك تجيبها اليوم، هي أدلة مرقوا عليها علماء الإسلام عبر القرون، وقدروا يضموها لمنظومتهم التحليلية بأساليب متنوعة. الشي اللي عميصير اليوم إنو اللادينيين عمينظروا عهالأدلة نفسها، بس من ضوء مختلف، من باراديم جديد، من منظومة تحليلية غير

مرهف: مزبوط، ما في شي من هالأدلة عميفاجؤو، كل شي سمعان فيه من قبل

رؤى: فيكم أنتو تنيناتكم تقعدوا وتتناقشوا بالمنظومات التحليلية نفسها بشكل مجرد وبمعزل عن الأدلة، بس هالشي صعب عالفيسبوك، وممكن كمان ما يكون مثمر، لأنو موضوع الدين العاطفة بتلعب فيه دور كتير كبير، ولأنو أصلاً شي كتيييير صعب إنك تخط منظومة تحليلية بشكل كامل، جزء كبير من المنظومة التحليلية لكل شخص موجود باللاوعي.

مرهف: والحل؟

رؤى: برأيي، الشي الوحيد اللي ممكن تغير فيه من خصمك، هو إنك تفاجؤو، تفاجؤو بلطفك، بموضوعيتك، بعمق تحليلك ونظرتك للأمور. ممكن هاد الشي لحالو يعملّو أزمة، متل الأزمات العلمية اللي حكى عنها توماس كون، ويصير يعدّل، ولو بالتدريج من منظومتو التحليلية، وما بتعرف، يمكن يصير العكس وأنت اللي تعدل من منظومتك

مرهف: أنا متأكد من صحة منظومتي...

رؤى: مو عأساس أنت العقلاني؟

Comments

Popular Posts