تفكيك العقلية الردشبهاتية: جهّل فأوّل فشكّك فرهّب
حديث واحد كان كافياً لإنهاء الإسلام كله، بشكل بسيط ومسالم، يُسأل فيه محمد متى الساعة، فينظر إلى غلام ويقول "إن يؤخر هذا لم يدركه الهرم حتى تقوم الساعة"
نعم، بشكل بسيط وواضح، يقدم الرسول المفترض تنبؤاً، فيفشل هذا التنبؤ، فنترك الإسلام ونبحث عن حل آخر للغز الوجود.
لكن هذا لم يحصل، لأن العلماء قرروا أن يفهموا الحديث على أن محمداً كان يقصد أن ساعة الجالسين ستقوم، لأنهم كلهم سيموتون قبل أن يموت هذا الغلام. نعم، يبدو أنك بحاجة رسول ليخبرك أنك أيها الستيني ستموت قبل غلام ما....
هذه هي العقلية التي أنجت الإسلام على مدى ما يزيد من ألف عام، عقلية رد الشبهات التي تقبل بتسطيح الفكر والعقل والمنطق وكل شيء، إلا أن تعترف أنه، ربما، كان هذا الشخص كاذباً مثله مثل الكثيرين.
وتعمل هذه العقلية على عدة طبقات،
---
فأسلوبها الأول أسلوب الإخفاء، فما لا يحتاج العامة إلى معرفته يتم إخفاؤه وحصر تداوله بين "الخاصة" من العلماء، بحجة أن معرفة هذه الأمور لن يفيد إلا في زعزعة إيمان الناس، فإذا سألت شيخاً عن اختلاف القراءات في القرآن، أخذ يقص لك عن اختلاف اللهجات بين العرب القدماء، وكيف أن الله آتانا عدة قراءات رحمة بنا، ويتجاهل أن اختلاف القراءات يتجاوز الاختلاف بين قول "موسى" و"موسي"، وقول "الآخرة" و"الاخرة"، ويمتد إلى اختلافات في كلمات النص نفسه، فإحدى القراءات تقول "الذين هم عند الرحمن"، وأخراها تقول "الذين هم عباد الرحمن"، وقراءة تقول "إطعام مساكين"، وأخرى تقول "إطعام مسكين"، غير ذلك من الأمثلة الكثيرة. ثم يقص عليك الشيخ أيضاً كيف حفظ عثمان القرآن، وينسى أو يتناسى أن يخبرك أن ابن مسعود وأبيّ بن كعب وأبا موسى الأشعري وغيرهم كانت عندهم سور كاملة وقراءات كاملة مختلفة، وينسى إخبارك عن الداجن التي أكلت الصحيفة...
وإذا سألته عن الجهاد حكى لك عن الجهاد الدفاعي ومعركة بدر وأحد، ونسي أو تناسى "قاتلوا الذين يلونكم من الكفار"، وحكى لك عن "لا تقطعوا شجرة، ولا تقتلوا طفلاً"، ونسي أو تناسى ما قاله محمد عن أطفال ونساء القبيلة التي أمر أتباعه أن يغيروا عليها ليلاً، فقالوا في الليل لن نميز النساء والأطفال عن الرجال، فقال "هم منهم".
الإخفاء هو الوسيلة الأولى، ولن تسمع هذه الأمور إلا أن تقرأ بنفسك، أو تذهب إلى ناقدي الإسلام ليخبروكها.
---
ولكن عند فشل الأسلوب الأول وتسرب الخبر، يأتي دور الأسلوب الثاني، التأويل والترقيع، فكما أولوا أن النبي كان يخبرهم عن موتهم، لا عن الساعة، فكذلك كلما سألتهم عن سبب تشابه التوصيف القرآني للكون مع توصيف حضارات وشعوب تلك المنطقة، واختلافه الجذري عن التوصيف العلمي، قاموا بتأويل الآيات، فقالوا لك إن ((وجد [الشمس] تغرب في عين حمئة)) يقصد بها وجهة نظر ذي القرنين،و((أفلا ينظرون إلى الأرض كيف سطحت)) يقصد بها وجهة نظر كفار قريش، و((كان عرشه على الماء)) هو تعبير رمزي، والقرآن كتاب هداية ورشاد، لا كتاب فيزياء وكيمياء، إلى آخره من أجوبة اللف والدوران...
وكلما سألتهم عن حرية الإرادة في الدين، وكيف أن عشرات الآيات تقول إن الله هو الذي يشاء من يؤمن ومن يكفر، قالوا لك كلا، بل هناك آية ((فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر))، وأما باقي الآيات ففاعل "يشاء" محذوف، ويمكنك تقديره بأنه تابع للعبد لا للإله. متأولين اللغة بعكس ما يدل عليه واضحها، ومتجاهلين عديد الآيات الأخرى ذوات الفاعل الصريح، كـ((ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً))، و((ولو شاء الله ما أشركوا))، وغيرها من الآيات.
ولكل سؤال أو حجة جواب يلوي أعناق النصوص وأذرع المنطق، ليوصل في النهاية إلى الأسلوب الثالث..
---
وهو اللجوء إلى فلسفة الشك، نعم، فلسفة الشك ذاتها التي ينكرونها على الملحد، فيقولون "ماذا يعي عقلك القاصر عندما تتكلم في الإلهيات؟ لن تستطيع يوماً أن تفهم حكمته من خلق مليارات البشر الذي سيعذبون في النار رغم علمه أنهم سيكفرون قبل أن يخلقهم"، و"تذكر يا بني، ((لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون))". بل ويجدون الجرأة ليقولوا "وما أدراك أن فعل محمد هذا غير أخلاقي؟ أصلاً ما تعريف الأخلاق؟ وكيف نقيّم أخلاقية عمل ما؟"، آخذين فلسفة الشك من ذيلها ليثبتوا ديناً قطعياً، ومتشبهين بمن يقول "أنت لا يمكنك أن تثبت بشكل رياضي أنك لست في حلم، إذاً فكل معارفك وعلمك تتساوى مع معارف أي جاهل"
---
وفي حال فشل كل هذا، يبقى الملاذ الآمن الأخير، ملاذ من ليس له ملاذ، الترهيب! ((خذوه فغلّوه، ثم الجحيم صلّوه، ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه))، و((كلما نضجت جلودهم بدّلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب))، هذا طبعاً ناهيك عن الترهيب والإيذاء الدنيوي ((إنما جزاء الذين يحادّون الله ورسوله أن يقتّلوا أو يصلّبوا أو تقطّع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض))
---
وهكذا يا سادة، يكون دفتر الخطوات الردشبهاتي، جهّل فأوّل فشكّك فرهّب. وإن فشل كل هذا، فاقتل...
-----------------------------------------------------------------------
بعض المصادر:
* https://dorar.net/hadith/sharh/17687
* https://sunnah.com/ibnmajah:1944
* https://sunnah.com/tirmidhi:2939
* https://sunnah.com/muslim:1050
* http://quran.ksu.edu.sa/tafseer/tabary/sura33-aya6.html
* https://sunnah.com/mishkat:3943
Comments
Post a Comment