القنيبي، علاقة رومانسية مع رجل القش

منذ فترة اصطدمت مع بعض متابعي القنيبي عندما وصفت ما يقوله عن نظرية التطور بأنه "خرافات". حينها كتبت مطولاً عن الأمر موضحاً مغالطاته بالأمثلة.

لكني البارحة لسبب ما، قررت أن أراجع سلسلة "رحلة اليقين" من جديد لأرى ما يقول الرجل. للأسف، كلما شاهدت جزءاً آخر من هذه السلسلة كلما صعب عليّ أن أصدق أن الرجل "أخطأ سهواً"، وكل ما ازداد ظني بأنه مخادع يعلم كذبه، ولكنه يضلل الناس بغاية "الدفاع عن الإسلام"

---

البارحة شاهدت هذا الجزء الذي يتحدث فيه كيف يلغي الإلحاد العقل: 

https://www.youtube.com/watch?v=WiZwdtDJBRo

في هذا الجزء يقول إن بعض الملحدين يرون أن كل شيء ناتج عن الحواس وعن الاستقراء، وعن ربط الأحداث ببعضها بأسلوب استقرائي. بالطبع هو يذكر كلمة "بعض الملحدين" بداية، لكنه ينسى هذا بعد ذلك تماماً أن ما يتحدث عنه هو "بعض" الملحدين، ويعمم الأمر عليهم كلهم. المشكلة أنه في الفيديو ينقد ملحدي القرن السابع عشر، الذين سادوا بسيادة المنهج التجريبي empiricist، وأهمهم ديفيد هيوم David Hume، الذي ينقضه القنيبي في هذا الفيديو بعنف، دون أن يذكر اسمه، بل وينقده باستخدام نقد إيمانويل كانط Emanuelle Kant من القرن ذاته. دون أن يعذب نفسه أيضاً بذكر أي من هذه الأسماء. لماذا يا ترى نجلب نقاشاً من أربع قرون؟ نعممه على كافة الملحدين، ثم "نقصف جبهة الإلحاد" به؟ دون أن نذكر أن هذا النقاش عمره أربع قرون؟ ودون أن نذكر المدارس الفكرية الجديدة في الإبستمولوجيا؟ أكيد بالغلط...

لكن المشكلة في هذا الفيديو أكبر من ذلك بكثير. حيث يشدد على أن الملحدين ينكرون السببية. هذه نقطة جيدة فعلاً، هناك نقاش كبير في الأوساط الفلسفية عن السببية ومعناها ووجودها، وارتباطها بالزمكان. هذه نقاشات لا بد منها خصوصاً في ظل وجود نظرية النسبية العامة لآينشتاين، التي غيرت نظرتنا للزمان بشكل كامل. لكن هل يحل الإسلام مشكلة السببية؟ الإسلام يفترض أن قاعدة "لكل سبب مسبب" هي ضرورة عقلية، ثم يستخدمها فقط ليصل بها إلى إلهه ويتوقف عندها بشكل كامل. ويستدل على هذا الوقوف الكامل بأنه لا بد للذي نتوقف عنده من أن يكون عاقلاً واعياً مدبراً إلخ، ويرسم رسمة فلسفية لا تقوم أبداً، ليشرح سبب التوقف. ثم يقول للناس "اسأل من خلق الكون، لكن لا تسأل من خلق الله". ألا يرى أن علاجه لمشكلة السببية هذا ينسف السببية كلها من دون حل مقنع؟ كيف تسخر من غيرك ممن ينهمك في حل المعضلات الفكرية، بينما تجلس أنت سعيداً بحلك السيء تسخر منهم وتعيّرهم في "تخبطهم"؟ 

كل الحلول الإسلامية لهذه المشاكل حلول سيئة ترجع في آخرها إلى "الله بيزبطها". فهو أيضاً ينتقد كيف أن الملحد ينكر السببية في الأجوبة المطلقة، لكنه لا ينكرها في حياته الخاصة، فإذا صدم أحد سيارته لم يقل "لا تخف، هذا مجرد ارتباط للأحداث". أحقاً يأتي هذا الانتقاد من مدرسة "اعقلها وتوكل"؟ من مدرسة "توكل على الله وكأنها لا شيء، ثم خذ بالأسباب كأنها كل شيء"؟ من مدرسة "الدعاء يرد القضاء"؟ ألا يرى أن هذه المشكلة موجودة بشكل أعمق بألف مرة في مدرسته الفكرية؟ أم على قلوب أقفالها؟ بل وينتقد "تخبط" الملحدين في نقاش حرية الإرادة، وينسى مصيبة "علم الله المسبق"، والنزاعات الهائلة بين الجبرية والأشعرية وغيرها من المدارس الإسلامية. وكيف أنهم لم يصلوا إلى جواب مقنع في هذا المجال. فكيف يقوم لنا فينتقد في مدارس غيره ما تفتقده مدرسته وتعاني معه باستمرار! إن هذا لعجب عجاب!

---

ختاماً، لا أدري لماذا أقوم مراراً وتكراراً بمشاهدة هذا الإنسان. لكن ربما هو أمر مفيد لي لأذكر نفسي أني لا يفوتني الكثير...

Comments

Popular Posts