مراجعة كتاب "نسيج الواقع" لديفيد دويتش - الجزء 4: ما هو الواقع؟

 هذا المنشور هو الرابع في سلسلة مقالات أراجع فيها أفكار الفيلسوف والعالم الفيزيائي ديفيد دويتش، في كتابه "نسيج الواقع" The Fabric of Reality، سيحتوي المنشور على ملخص لأفكاره، تتخللها تعليقات مني. كل المنشورات ستكون تحت تاغ "نسيج الواقع"، لتسهيل إيجادها

---

الجزء السابق كان فلسفياً بشكل رئيسي، حيث تحدث دويتش عن أفكار الفيلسوف كارل بوبر، ومبدأ التخطئة والأخذ بالحل الأبسط، واستنتج أن الحل الأبسط لمعضلة الميكانيك الكمي، هو تأويل الأكوان المتوازية.

وسيكون الجزء هذا فلسفياً أيضاً، حيث لا يمكن لكتاب يتحدث عن "نسيج الواقع" ألا يعرّف ما هو الواقع أصلاً! لذا، فإن دويتش يدخل في هذا الجزء في محاولة لتحديد ما يجب أن نعتبره واقعاً، ويضع معياراً بسيطاً جداً للأمور: 

"أي شيء يتفاعل معنا بشكل مستقل ومعقد، هو جزء من الواقع"

هذا التعريف، على بساطته، مهم جداً لفلسفة دويتش الواقعية، فإذا عدنا بضعة قرون في الماضي، سنجد أنوية ديكارت Descartes' Solipsism التي تقول إنه لا يمكننا إثبات أي شيء إلا باستخدام الفكر الرياضي المنطقي، وباستخدام هذا الفكر، لا يمكننا إلا إثبات وجود أنفسنا، فأنا لا أستطيع إثبات إلا وجود الأنا، وذلك لأنني أنا الذي أحاول الإثبات. من ذا قول ديكارت الشهير "أنا أفكر إذاً أنا موجود" (تعقيب: يستخدم هذا الاقتباس عادة كأسلوب لحث الناس على التفكير والقراءة والتعلم، لكن للأسف من يستخدمه لم يقرأ حتى عن المعنى الحقيقي لهذا الاقتباس الذي لا علاقة له بأي من هذا).


 

بالنسبة لدويتش، أسلوب التفكير هذا خاطئ من نواحٍ متعددة:

أولاً، فإن هذا الأسلوب يفترض هرمية فكرية "الرياضيات أفضل من العلوم، والعلوم أفضل من الفلسفة"، بالنسبة لدويتش، هذا خاطئ جداً، وحقيقة، فإن ثلاثتهم يتفاعلون على درجات مختلفة، وسيفرد دويتش فصلاً كاملاً لاحقاً لدحض فكرة أن الرياضيات أفضل وأكمل من غيرها.

ثانياً، فإن أي أحد يصدق بالأنوية، سيتوجب عليه إيجاد تفسير منطقي لسبب وجود الأشخاص والأمور الأخرى، وتفاعلهم معه بشكل لا يستطيع التنبؤ به. فالأنوي عليه على الأقل أن يعترف بوجود شيء آخر خارج ما يدعوه بالأنا، حيث أنك قد تلتقي صديقاً لك فيصفعك بشكل غير متوقع. كيف لم تتنبأ بهذا إن كان الصديق من صنع خيالك؟ لا بد أن يكون هناك على الأقل شيء خارج ما تدعوه بالأنا، يمكنك مثلاً أن تضيف فتقول: إن هذا الصديق من صنع الجزء اللاواعي من عقلي.

ثالثاً، حينها، يمكننا أن نبدأ بتوصيف كيف يتفاعل هذا الجزء اللاواعي من عقلك، فسنجد أنه يتفاعل ويتصرف وفقاً لقوانين صارمة، من قوانين الفيزياء والكيمياء، إلى قوانين البشر في تفاعلهم معك. حينها ستضطر لأن تقول: "العالم كله من صنع الجزء اللاواعي من عقلي، ولكنه يتصرف وكأنه خارج عني ويتبع قوانين تبدو وكأنها منفصلة عني وعن إرادتي"

رابعاً، متى اعترفت بهذا، فيمكننا ببساطة أن نقول لك إن هذا ليس هو التفسير الأبسط، وأننا باستخدام نصل أوكام، سنفضل التفسيرات الأبسط، فالتفسيرات التي تقول "الشيء يتصرف وكأنه كذا، ولكنه كذا" أكثر تعقيداً من تفسيرات "الشيء كذا". فكما قلنا أنه من غير المنطقي أن نقول "الكواكب تتحرك وكأنها تدور حول الشمس، لكنها حقيقة تدور حول الأرض"، أو أن نقول "الإلكترونات تبدو وكأنها ترتطم بإلكترونات أخرى غير موجودة، ولكنها حقيقة لا ترتطم بشيء"، فأيضاً من غير المنطقي أن نقول "العالم يبدو وكأنه منفصل عني، ولكنه حقيقة جزء مني".

ختاماً، يزيد دويتش تعريفاً جديداً لما هو واقع، فيقول:
"إذا لزمت كمية كبيرة من الحوسبة لتوهمنا أن شيئاً ما حقيقي، فهذا الشيء حقيقي".

لكن لماذا يدخل دويتش الحوسبة في هذا؟ سنعرف في الجزء القادم

Comments

Popular Posts