يا عاصم اعصمني

 منذ أن فتحت عيني على الدنيا وأنا أراه ينظر إلي، هادئاً، واثقاً، مبتسماً...


 

سألت اليومَ معلمتي: 

- آنسة، من أين أتت إسرائيل؟ 

- إسرائيل هم قوم كانوا مقربين إلى قائدنا الأسد، لكنهم في يوم ما خانوه وأصبحوا أعداءنا 

- لكن يا معلمتي، لماذا لم يقتلهم مباشرة حينها؟

- سؤال وجيه، نعم! إن لديه القدرة المطلقة على القضاء عليهم في طرفة عين، ما ذلك عليه بعزيز، لكن أخبرني يا مرهف، ما المغزى من حياتك إن لم تكن هناك إسرائيل؟

لمعت عيناي حينها، فعلاً، لو لم تكن إسرائيل فما المغزى من حياتنا؟ نأكل ونشرب ونلعب كالبهائم دون وجود هدف نسعى إليه! ابتسمت حينها وجلست في مقعدي. وأخذت أتأمل في إعجاب فم الآنسة وجيهة وهو يتحرك فتخرج عنه أصوات تريح همومي وتساؤلاتي. يا لها من عالمة، محيطة بكل تفصيل صغير وكبير، هل سأصل يوماً إلى علمها ومعرفتها؟

- نعم يا مرهف؟

- آنستي، كيف يمكنني أن أتعلم لأصبح مثلك؟ 

- ها أنت تتعلم الآن يا مرهف، ركز معي في الدرس وستصبح بعلمي. الآن ماذا كنا نقول؟ لقد خلق أبونا الأسد الأرض منذ مئة عام، لكن إسرائيل تقوم بكل ما في وسعها لزعزعة علاقتنا معه بشتى الطرق، فيقوم جواسيسها بين الحين والآخر بزرع كتب وأوراق وصحف تبدو وكأنها....

استلقيت في سريري ذاك المساء أفكر واثقاً ومذعوراً في الآن ذاته. هل تظن إسرائيل فعلاً أن خدعة كهذه ستنطلي علينا؟ كتب تعود إلى ما قبل خلق الأرض؟ وكيف يوجد كتاب والأرض لم توجد بعد؟ يا للهبل!

- لكن يا آنسة، هذه خدعة غبية جداً!

- نعم، إنها بالفعل غبية

- لماذا يفعلونها إذاً، لماذا يضيعون وقتهم في خدع لن تنطلي على رضيع؟

- يا مرهف، هذه الخدعة فعلاً أسخف من أن تنطلي على أحد؟ لكن هناك الكثير من ضعيفي الإيمان، أولئك الذين يرون الدنيا لهواً ولعباً، أولئك الذين سئموا محاربة إسرائيل. أولئك يبحثون عن الحجة تلو الأخرى ليقفوا في صفها.... أبانا يغثنا

- أبانا يغثنا

- يا مرهف، إني أقدِّر فيك أسئلتك وشغفك، فأبونا الخالد قال "العقل محور الحياة"، لكن تذكر دائماً أن تكون أسئلتك موجهة، تسعى إلى توضيح حكمته والاستقاء منها. أولئك الهالكون يطرحون أفكاراً غريبة عجيبة، لا تنطلي على أحد، لكنهم يظنون أنهم قادرون على دثر الحقيقة بطرحهم التفاهة بعد التفاهة بعد التفاهة. لكن زبدهم كله ذهب وسيذهب جفاءً.

اقشعر بدني وقفزت من سريري على ركبتي وزحفت نحو المايكروفون المعلق على الحائط: "يا قائدي اهد سبيلي، يا أبتي تلطف بي مما قد تأتي به عليّ نفسي، يا عاصم اعصمني، يا عاصم اعصمني، يا عاصم اعصمني... لا تزغني عن سبيلك، واجعل سبيلي قائماً مستقيماً إلى ما فيه خير الأمة"

ثم رفعت عينيّ إلى صورته، يا لها من ابتسامة عذبة، تتسع بين تفاصيلها قلوبنا الصغيرة كلها. اطمأن قلبي، وعدت إلى السرير لأغط في نوم عميق....

Comments

Popular Posts