كوكب الأرض الفريد، ونظرية التصميم الدقيق
اقتضى التنويه: المنشور التالي يمثل نقاشاً متخيلاً بين مسلم وملحد. الهدف منه إيضاح فكرة معينة بأسلوب نقاشي سهل التتبع. ليس الهدف أبداً إظهار الملحد على أنه عالم، أو المسلم على أنه جاهل. الهدف فقط هو إيصال الفكرة بأسلوب حواري
---
صالح: لدي سؤال..
درّة: تفضل..
صالح: ألا ترين أنّ الدقة في تصميم هذا الكون دليل على وجود الخالق؟
درّة: وكيف يكون هذا؟
صالح: أفعلاً لا تدرين ما أقصد؟ أنظري إلى كل شيء من حولك، تريه مصمماً بدقة لتمكين الإنسان من الحياة على هذه الأرض. فمثلاً، لو كانت الأرض أقرب قليلاً إلى الشمس لاحترقنا جميعاً، ولو كانت أبعد قليلاً لتجمدنا. وبالمثل، لو كانت نسبة الأوكسجين أكثر مما هي عليه لتفاعل مع كل شيء، ولانتشرت حرائق الغابات يمنة ويسرة، ولو كانت نسبته أقل لاختنقنا..
درّة: ...
صالح: ألا ترين هذا دليلاً على خالق مهندس مدبّر؟ كل هذه التفاصيل منعدمة في كل أنحاء هذا الكون الفسيح إلا على كوكب الأرض. أليس هذا دليلاً على أن هناك من وضعنا هنا لسبب؟
درّة: صراحةَ، عندما ذكرت مادة الأوكسجين في الغلاف الجوي... ذكرتني بشيء مضحك...
صالح: ...
درّة: الأسبوع الماضي، شاهدت وثائقياً مذهلاً عن أكبر انقراض جماعي في تاريخ الأرض
صالح: أتقصدين النيزك الذي أطاح بالديناصورات؟
درّة: لا، لا.. بلايين السنين قبل ذلك حدثَ حدثٌ هائل في تاريخ الأرض، يدعى "حدث الأكسدة الكبير (The Great Oxidation Event)". أتدري ما كان هذا؟
صالح: لا.. لا أدري
درّة: قبل هذا الحدث، كان مستوى الأوكسجين ضئيلاً جداً في الأرض، وكانت الكائنات الحية حينها لا تعتمد على استمداد طاقتها من الشمس، وإنما من منافذ حرارية تأتي من قاع الأرض. لكن ما حدث بعد ذلك أن كائنات جديدة قادرة على التركيب الضوئي تطورت. هذه الكائنات كانت قادرة على استمداد طاقتها من الشمس بشكل مباشر، وكما تعلم فإن هذه العملية، عملية التركيب الضوئي، تنتج غاز الأوكسجين كإحدى مخلفاتها
صالح: نعم، أعلم. لكني غير مقتنع بالتطور هذا من أصله.
درّة: لنا حديث آخر عن هذا الموضوع، لكن فلننسى التطور للحظة، ولنكمل القصة
صالح: حسناً
درّة: كائنات التركيب الضوئي هذه أخذت تتكاثر أكثر فأكثر، وتنفّس غاز الأوكسجين هذا في الغلاف الجوي أكثر فأكثر. حتى وصل هذا الغاز إلى كميات هائلة، أدت إلى مقتل الغالبية العظمى من هذه الكائنات.
صالح: حقاً؟
درّة: هذا الغاز كان مدمراً لأغلب أنواع الحياة على كوكب الأرض، فأكثرها لم تتنفسه، وكان بالنسبة لها غازاً ساماً وقاتلاً، وكانت كائنات التركيب الضوئي هذه تتكاثر وتنفث الأوكسجين حتى يصل إلى درجة قاتلة، فيموت معظمها، فتتوقف عن بث الأوكسجين، فتنخفض نسبته، فتعود إلى التكاثر فيزداد الأوكسجين، وهكذا. لذا ترى خطوط أكسدة كهذه على الصخور:
صالح: يا إلهي!
درّة: فعلاً... ما حصل في النهاية أن كائنات التركيب الضوئي في النهاية تطورت فأصبحت قادرة على استخدام هذا الأوكسجين في عملية الميتابولزم الخاصة بها، مما ثبت درجة الأوكسجين على الأرض، وأنهى دوامة الانقراض
صالح: شكراً على مشاركتك لهذه المعلومات يا سلمى، لكن ما علاقة هذا بنقاشنا؟
درّة: ألا ترى يا صالح؟ إن كوكب الأرض ليس معدّاً للحياة الحالية، وإنما الحياة الحالية معدّة لتتأقلم مع كوكب الأرض. قبل أن يكون هناك كل هذا الأوكسجين على الأرض، كان هناك حياة، وكانت تتطور في اتجاه مختلف، لكن مجيء الأوكسجين أبادها كلها، ولم يبق إلا على الكائنات التي استطاعت استخدام هذا الأوكسجين في عملياتها الحيوية! تخيل لو كان شعب عاشقاً للموز، فجاء مزارعوا الدراق وتواطؤوا مع الحكومة فرفعت الدعم عن الموز وآتته للدراق. ستجد أن هذا الشعب شيئاً فشيئاً قد نسي الموز وعشق الدراق. كذا حال الأوكسجين، من لم يتأقلم معه مات اختناقاً. ولم يبق حياً إلا عشاق هذا الغاز.
صالح: ...
درّة: يا صالح، إن نظرية التصميم الدقيق هذه تفترض بكل بساطة أن كل شيء أُعِدَّ من أجلنا بدقة، لكن الحقيقة أنه لم ينجُ ويزدهر إلا من تطور ليلائم ظروف الحياة الحالية.
صالح: بالله عليكِ يا سلمى. إلى متى ستصرين على نظرية التطور هذه؟ ثم إن كان ما تقولين صحيحاً، لماذا لا نرى أي أثر للحياة في هذا الكون الفسيح؟
درّة: لأنه فسيح... هل تعلم يا صالح كيف نرى الكواكب التابعة لنجوم غير شمسنا؟ نراها من خلال تغير تذبذات النجم الذي تدور حوله، وهل تعرف كيف نعرف مكونات غلافها الجوي؟ من خلال تحليل طيف الضوء الذي يصلنا منها... بالله عليك أنت، أتقنعني أننا نعلم أن ما من حياة على هذه الكواكب؟ بل إني لأجزم أن العديد العديد منها مليء مزدهر بالحياة ككوكبنا هذا
صالح: لكن...
درّة: لن تكون مماثلة للحياة على كوكبنا، فكل كوكب مختلف بظروفه، لكنها موجودة
صالح: على كل... كل هذا قائم على نظرية التطور، نظرية لم، ولن تثبت...
درّة: لا يا صالح، حديثنا اليوم ليس عن التطور. كل ما أقوله هو التالي:
عندما ترى شخصاً ازدهر في ظروف معينة، فتذكر أن هناك تفسيرين، ليس تفسيراً واحداً: إما أن الظروف قد أعدت خصيصاً من أجل ازدهاره، أو أنه ازدهر لأن خواصه وقدراته ملائمة لهذه الظروف، وعبر الكون الفسيح، وعبر الزمان الطويل، هناك كائنات حية ازدهرت وتزدهر وستزدهر في ظروف يعدها الإنسان غير قابلة للحياة من أساسها... لذا، فإن التفسير الثاني مرجح أكثر بكثير من الأول...
Comments
Post a Comment