وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون

لا زلت أذكر اليوم الذي اتخذت فيه القرار النهائي بالإلحاد. دخلت يومها لأستحم، وغرقت في تفكير عميق. كان واجباً عليّ أن أمنح الدين فرصة واحدة بعد ليجيبني عن آخر وأهم أسئلتي: "لماذا خلق الإنسان؟"

لماذا خلق الله الناس يا سادة؟ لماذا خلقت هذه الكائنات التي ستعيش سنيناً طويلة متقلبة بين السرور والأسى والبين بين، لتنتهي إلى جنة أو نار، خالدين فيها أبداً؟


فلنفكر في الموضوع سوية: إن الإسلام يخبرنا أن الله خلقنا، ووضعنا في دار الابتلاء المعروف بالدنيا، فإن أحسنا عملاً ظفرنا بالجنة، وإن أسأنا فإلى جهنم وبئس المصير. ولكن لماذا؟ إن الله حين خلقنا كان على علم كامل أن بعضنا، بل معظمنا، سيضل عن سبيله وينتهي إلى عذاب يفوق كل الوصف. هل كان مجبراً على خلقنا؟ ألم يكن من الأفضل بكل بساطة ألا يخلقنا؟ أعلم أننا نحن من ظلمنا أنفسنا.. هو منحنا القدرة على الاختيار، وأرانا السبيل، ونحن اخترنا سبيل الهلاك. ولكن، أما كان بإمكانه ألا يخلقنا؟ ذلك الإله اللامتناهي في القدرة والعلم والرحمة.. والرحمة.. والرحمة... يخلق مخلوقات وهو على علم اليقين أن هذه المخلوقات ستودي بنفسها إلى عذاب ((كل ما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها)). هو الذي وضع فيها هذه القدرة، هو الذي مكنها من الخطيئة، ثم هو يلومها كما يلوم المغتصب ضحيته على لبسها تنورة قصيرة.... ما من إله لامتناهي الرحمة يقوم بفعلة كهذه...

ولكن، ماذا لو... ماذا لو كان لا مهرب من خلق البشر على هذه السجية؟ نعم يا أحبائي، هللوا! فقد وجدت الإجابة: إن خلق الإنسان على هذه السجية هي الطريقة الوحيدة للحصول على كائنات أزكى من الملائكة، ذلك بأن الملائكة "روبوتات" ((لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون))، أما البشر الصالحون فهم كائنات وصلت إلى الصلاح على الرغم من شهواتها، فحازت مرتبة لا يمكن لملاك أن يحوزها (تنسب هذه الفكرة لعلي بن أبي طالب). إذاً، فلا بد من منح القدرة على المعصية للبشر، ليتمكنوا من تجاوز الملائكة في القرب إلى الله تعالى

ولكن، أخي المسلم، هل كان الله سبحانه وتعالى محدود القدرة، فلم يجد بدّاً للحصول على هذه الكائنات الزاكية دون تعذيب المليارات منها؟ أم ربما أن العذاب كله مجرد كذبة غايتها الترهيب؟ حاشى لله الكذب، وحاشاه محدودية القدرة، ولكن هذا ما أراده رب العزة، وهو ((لا يسأل عما يفعل وهم يسألون)).
لا بد أن هذا جوابك، وسأعود إليه قريباً، ولكن مصيبة أكبر في طريقها إلينا...

فربما هذه الغاية النبيلة في الحصول على مخلوقات زكية مقربة تستحق التضحية بالمليارات في سبيلها. لأن ذلك في النهاية سيحقق.. سيحقق.. لحظة، ماذا سيحقق؟ ماذا سيحقق أي شيء من هذه العملية كلها، ماذا سيحقق هذا العذاب كله لمن ((إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون)). لماذا يريد هذا الكائن أشياء؟ هو كائن كامل، أزلي الوجود، ليس بحاجة لفعل أي شيء، ومع ذلك لا بأس، فهو سيفعل، سيخلق مخلوقات قادرة على التألم، ثم سيؤلمها، في سبيل أهداف عبثية لا تضره ولا تنفعه...
نعم، هو يفعل ما يفعل لأنه أراد، ويريد ما يريد لأسباب لا يعلمها إلا هو، ولا يسببها إلا هو... ولو أراد لما خلقنا ولا بعثنا، ولكن الأقدار جارت علينا وأراد، وأصبحنا بيادق في لعبته للحصول على هذه المخلوقات الزكية...
إنه كائن عبثي يا سادة، كائن ((لا يسأل عما يفعل وهم يسألون))، كائن يتصرف لأسباب لا قدرة لنا على إدراكها، ففهمنا البشري المحدود لا يطاله، ولكنه يتسلى بعد ذلك بسؤالنا ((أفلا تعقلون))، ((أفلا تتفكرون))، ((أفلا تبصرون))، وإذا عقلتم وتفكرتم وأبصرتم قال لا! لا بد لعقلك وتفكرك وبصيرتك أن يقودوك إلى عبادتي، أما أي تفكر خارج عن هذا ((سأصليه سقر، وما أدراك ما سقر، لا تبقي ولا تذر، لواحة للبشر، عليها تسعة عشر)).....

للمسلمين أقول، إن الإسلام ينص أن لكل مؤمن الحق في أن يرغب في صفات معينة في معبوده، فإبراهيم طالب بإله غير آفل ((قال لا أحب الآفلين))، أما أنا فلا أحب العابثين، وأرغب بإله يسأل عما يفعل، بإله قد يكون محدود القدرة، واضطر أن يخلق البشر لحاجة معينة. أما إلهكم، هذا الذي لا يحتاجكم ومع ذلك خلقكم، فإني مفارقه. لا وقت لدي للعابثين..

Comments

Popular Posts