إياد شربجي واللغة العربية
نشر الصحفي إياد شربجي مؤخراً منشوراً على الفيسبوك، شارك فيه تفسيره لمشكلة اللغة العربية: لماذا يحجم الناس عن تعلمها، ولماذا يترنح قومها في مؤخرة الأمم:
حسب تفسير إياد، فإن هناك ثلاثة أسباب رئيسية، تحول دون تعلم الناس للغة العربية:
أولاً، اعتمادها حصرياً على الكتابة المتصلة
ثانياً، اعتمادها الكبير على الحروف الحلقية
ثالثاً، كثرة الحشو والإطناب
ينطلق إياد بعد ذلك، كعادته، للوصول إلى العديد من الاستنتاجات غير اللاحقة من السبب، والخاطئة في بعض الأحيان.
فيما يلي، أود أن أرد على هذا المنشور:
لا يخلو من الصحّة أن اللغة العربية من أصعب لغات العالم للتعلم. ولكن ليس لأي من الأسباب التي ذكرها إياد. فقد تفاعلتُ مع بعض الشرقيين والغربيين المتعلمين للغة العربية، وكلهم أكّدوا أن اللغة كانت صعبة التعلم عليهم للأسباب التالية:
- صعوبة القواعد: من الرفع والنصب والجر، إلى تصريف الأفعال وغيرها. اللغة العربية تعج بقدر هائل من القواعد، وثم بقدر هائل من الاستثناءات لهذه القواعد.
- الحركات: تشابه الكلمات بالشكل واختلافها في الحركات يصعب الأمر كثيراً. كلنا نعرف مثال البَرّ والبُرّ والبِرّ. وبما أن أهل اللغة يكتبون أغلب ما يكتبون من دون الحركات، فإن هذا يشكل صعوبة هائلة على الغريب.
- ضرورة تعلّم لغتين: إذا أردت أن تتعلم العربية بشكل مناسب، فعليك أن تتعلم لغتين: الفصحى، وإحدى "اللهجات" العامية، وهاتان اللغتان ستتفقان على بعض الأمور، وتختلفان على بعض آخر، من دون وجود قواعد تحكم الاتفاق والاختلاف. وهذه نقطة غاية في الأهمية سأعود إليها لاحقاً
هذه هي، برأيي، الأسباب الحقيقية التي تشكل صعوبة في تعلم اللغة، أما الكتابة المتصلة والحروف الحلقية، فهي أمور ممتعة للمتعلمين في الحقيقة، لأنهم يرونها تحدياً ممتعاً عليهم إنجازه. بالإضافة، فإن صعوبة النطق ليست أمراً مفرداً للغة العربية. يعاني متعلموا اللغة الفرنسية كثيراً في محاولتهم نطق الأحرف الصوتية، حيث يتطلب كل حرف تشكيل الفم بشكل معين لنطقه بشكل صحيح. والفرنسية واحدة من أكثر اللغات انتشاراً في العالم.
وأما بالنسبة لموضوع الحشو والإطناب، فهذا مجرد حجة تأتي من شخص لم يبحث أبداً في علم اللغويات. إن وجود عدة تمييزات لذات الكلمة في لغة معينة هي عادة دلالة على أهمية التمييز لهذا المصطلح. اللغة العربية أتت من قوم عملوا بشكل رئيسي في الرعي والتجارة، واعتمدوا على الحيوانات بشكل هائل. من المنطقي أن يكون تمييز كلمات كهذه أمراً مهماً وحيوياً وعملياً. يمكنك ملاحظة هذا في أي لغة في العالم، ستجد كلمات محددة وتمييزات لأمور معينة مرتبطة بتطور هذه اللغة.
ولكن، نحن العرب لم نعد قوم رعي وتجارة، فلم لم تزل لغتنا تحمل هذه الكلمات؟ برأيي، فإن لغتنا، بكل بساطة، لم تعد تحمل هذه الكلمات. اللغة التي يتكلمها قوم هي اللغة التي يتكلمها القوم! إذا لم يعد أحد يستخدم مصطلحات معينة، فإن هذه المصطلحات لم تعد جزءاً من اللغة، بل هي جزء من تاريخها، وإن العدد الهائل من الكلمات في اللغة العربية لم يعد جزءاً منها.
وأما عن استنتاجات إياد، فأفضل ما يقال عنها للأسف، أنها مضحكة. لن أغوص فيها، لكني سأقتصر بالقول أن لغة العلم الوحيدة هي اللغة الإنكليزية، وكل لغات العالم الأخرى تقع مع العربية في نفس الخانة: لن تتعلمها إلا إذا أردت أن تعيش في إحدى بلادها، أو تتواصل مع أبنائها. اسأل سكان كيبيك الفرنسيين الذين يضطرون لتعلم الإنكليزية إن أرادوا الانشغال في أي مجال هندسي أو علمي. ما الذي جعل الإنكليزية لغة العلم؟ هذا موضوع آخر...
---
فيما تبقى، سأوجه انتقاداً للغة العربية، كان بإمكان إياد توجيهه لو أنه تمحص في الموضوع أكثر، ولكان أكثر جدية:
المشكلة الحقيقية أن اللغة العربية هي واحدة من اللغات القليلة التي تمت كما هي، دون أدنى تعديل، منذ القرن الخامس الميلادي. لقد دافع العرب بشراسة ضد أي تعديل لقواعد أو مفردات هذه اللغة، لأنها اللغة التي "نزل" بها القرآن. لكن طبيعة اللغات أن تتطور وتتغير. يمكنك ببساطة أن ترى كمية تغير اللغة الإنكليزية منذ قرنين إلى اليوم. أما اللغة العربية فأبت أي تحول. والنتيجة؟ حدث انشقاق، لغة ظلت ثابتة تأبى التغيير انشقت عنها لغة أخرى تغيرت وتطورت وتبدلت مع تبدل الظروف، تعرف هذه اللغة اليوم بـ"اللهجة العامية"، وهي أبعد ما تكون عن لهجة. اللهجات هي فروقات في طريقة لفظ اللغة ذاتها. هل يمكنك أن تدعي أن الفرق بين السورية والمصرية، كذاك بين البريطانية والأمريكية؟ أبداً! البريطانية والأمريكية لهجتان للغة واحدة. علاقة السورية والمصرية ببعضهما وباللغة العربية، أقرب إلى علاقة الفرنسية والإسبانية ببعضهما وباللغة اللاتينية. الفرق أن اللاتينية ماتت، بشكل طبيعي، أما العربية فما زالت على أجهزة الإنعاش. ولأخذ العلم، فإن الأجانب يعلمون أن ما نسميه لهجات ليست لهجات بحقيقة الأمر، فلا يدعونها accents، بل dialects. (بالمناسبة، للسيد إياد، إن كنت تقرأ هذا المنشور، فهذا مثال على تمييزات موجودة في الإنكليزية، ولكن ليس في العربية). وبالتالي، فالمشكلة أننا نقرأ ونكتب بلغة كانت يجب أن تموت بشكل طبيعي، ونرفض بالمقابل توثيق اللغات المحلية التي نستخدمها، ونحد استخدامها فقط للغة المسموعة.
في الختام، فإني أرى الصحفي إياد صحفياً شجاعاً اختار الوقوف في وجه مجتمعه والعمل على توعيته على الرغم من كل الأذى الذي طاله بسبب ذلك. لكن المشكلة أن العديد من حججه ونقاشاته واهية، وتوحي بأنه إنسان أحادي الأبعاد والتفكير، يفعل كل ما في وسعه لذمّ العرب والإسلام، دون النظر إلى منطقية الحجج التي يقدمها. وإني أحثه في هذا الختام على التفكير أكثر فيما يكتب، وتوسيع دائرة فكره.
Comments
Post a Comment