أفسده الغرب

المضحك المبكي هو أني لا أمتلك الشجاعة الكافية لأعلن هذا الخبر تحت اسمي وأمام أصدقائي، لذا أنشئ مدونة، وأشاركه مع غرباء، أو ربما مع الفلاء.
 
https://www.tate.org.uk/sites/default/files/styles/width-840/public/images/fig1untitledheroicsymbols.jpg

الحقيقة يا غربائي أني قد تركت الإسلام، منذ ما يقارب الثمانية سنين. تركته عن يقين، دون أي رغبة في العودة، بعد أن كنت متمسكاً جدياً، حافظاً للقرآن، قارئاً للسنّة، وحالماً، كما العديد، باستيقاظ "العملاق النائم"، وعودة الإسلام لينشر حكم الله العادل في الأرض.
فلماذا تركته إذاً؟ هي رحلة طويلة بدأت عندما غادرت مجتمعي السوري المحافظ إلى لبنان، لأبدأ دراستي الجامعية. كان ذلك عقب الثورة بسنة تقريباً. هناك، حصلت ثلاثة أمور مهمة:

أولها أني لم أعد محاطاً بمسلمين محافظين من كل جوانبي. هناك رأيت السني والشيعي والمسيحي والملحد، رأيت المتدين والسكّير والمابينهما، رأيت عالماً أوسع بكثير من العالم أحادي البعد الذي كنت أعيش فيه، وأدركت أن الناس ليسوا نوعين، بل سبع مليارات نوع.

أما ثانيهما، فهو أمر ينأى الكثير منا، نحن المرتدين، عن الاعتراف به، ولكني قد تصالحت مع نفسي، ولا أرى أدنى ضرر في الاعتراف به: الشهوات. أجل… يا للعار، الشهوات. وهنا يصرخ المؤمن "بينغو! كشفت نفسك أيها الملحد، لقد غادرت دينك لتأتي ما يحلو لك من الموبقات" لا يا صديقي، شهواتي ليست سبب مغادرتي لديني، شهواتي كانت وقوداً صب على النار فأزكاها، ويحتاج العقل في كثير من الأيام إلى دفعة من العواطف المؤججة لتساعده على اتخاذ القرار الصحيح 

أما ثالث الأمور، فكان انشغالي بالفلسفة. منذ صغري كان لدي أسئلة كثيرة، وانشغلت كثيراً في قراءة كتب العقيدة، بحثاً عن أجوبة تشفي غليلي. وجدت أجوبة، وجدت الكثير من الأجوبة، لكن الكثير منها كان تافهاً، والكثير كان متواضعاً، والبعض كان جيداً لكن محدوداً 

وفي النهاية، قراري بالإلحاد كان قراراً فلسفياً بدرجة أولى. لم أتعرف على دين واحد على هذه الأرض قادر على توفير أجوبة منطقية لعديد الأسئلة التي تجوب في رأسي، لكني في الوقت ذاته لم أجد دليلاً ينفي وجود إله بشكل حتمي، لذا، فإني أصنف نفسي على أني "لاأدريّ" أقرب إلى الإلحاد، مع تأكيدي على رفض الأديان الثلاثة الإبراهيمية.
كما أني أصنف نفسي على أنني إنسان سعيد، مرتاح البال والضمير، ومستمر في البحث عن الحقيقة. إن كان هناك إله في هذا الكون، فعليه أن يمهلني، لا أرغب بإله متسلّط مستعجل.

أما بعد، فأود في ما بقي من هذا المنشور استباق الاتهامات والأسئلة التي قد توجه إلي:

    اعترف، لقد ألحدت لأجل شهواتك

لا يا غريبي، كان بإمكاني إيجاد إطار تفكير يمكنني من ملاحقة شهواتي وإقناع نفسي أني ما زلت مؤمناً صالحاً. هذا حال الكثيرين. شهواتي كانت مؤججاً لا أكثر. ولأخذ العلم، بعد أن أصبحت ملحداً، لا زال لدي شهوات كثيرة لا أستطيع ملاحقتها. غياب الدين لا يعني التفلت الكامل للشهوات.

    هل تستمتع بالسرقة والكذب والزنا بعد أن أصبحت ملحداً؟


لا، من المستحيل أن أسرق، أما الكذب فليس ممتعاً ولكنه ضروري في بعض الأحيان، وأما الزنا فممتع جداً عند ممارسته بشكل آمن.

    كيف تميز الصحيح من الخاطئ مع غياب الدين؟

باستخدام العقل.

    هل لا زلت تعمل الصالحات؟

نعم، ما زلت أوتي الصدقات، أساعد المحتاجين، وأقوم بما يجب تجاه الآخرين. الحياة أوسع من ((خسر الدنيا والآخرة))

    لماذا لا تؤمن، حتى لو لم تكن مقتنعاً، أليس هذا أأمن لك؟

لا. لن أمارس ما لا أقتنع به. الحياة أقصر من إضاعتها على ما لا طائل له.

    هل من الممكن أن تعود إلى الإيمان؟

إن وجدت سبباً مقنعاً.

    هل ترى المؤمنين أغبياء؟

أبداً، ولكن أرى على أعينهم غشاوة، تماماً كتلك التي يرونها علي عينيّ

    هل تظن نفسك أفهم من فلان وفلان؟

لا، ولكن ((أحطت بما لم تحط به))

    لم تكن خرجت عن الإسلام لو لم تخرج إلى لبنان (ومن ثم إلى الغرب)

ربما، لا أعد هذا انتقاصاً. أنا محظوظ كوني خرجت إلى بيئة ساعدتني على التفكير في غياب الضغط الاجتماعي

    الغرب ليس الملاك الذي تعتقده

للغرب ما له، وعليه ما عليه

    هل تحقد على الإسلام؟

لا، أبداً

    هل تظن أنه يجب القضاء على الإسلام؟

لا، لكني لن أحزن عليه إن رحل

    هل الإسلام شرير؟

لا، الإسلام ليس شريراً، لكن الزمن قد عفا عليه. مشكلة الإسلام أنه يصر على تصوير نفسه على أنه "صالح لكل زمان ومكان"، وبالتالي يصر على إقحام أحكام عمرها يزيد على الألفية في عالم اليوم. الإسلام كان ملائماً لأهله وفي وقته. أما الآن، فقد وجدنا وسائل أنسب لتنظيم مجتمعاتنا

    ما رأيك بمحمد؟

محمد كان إنساناً عظيماً، ذا همة عالية وقدرات استثنائية. وشخصياً لا أظن أنه فعل ما فعل رغبة في المال أو النساء. هناك طرق أسهل بكثير من أن تدعو قومك إلى دين جديد مدة تفوق عقدين من الزمن. لكنه، طبعاً ابن زمانه، وليس إنساناً مثالياً أبداً كما يدعي المسلمون. كما أني أرفض كونه نبياً.

    هل ترى أن الإسلام يؤدي إلى الإرهاب؟

ليس بالضرورة، لكن الإسلام يتميز بثلاثة أمور تجعله بيئة خصبة للإرهاب: أولها احتواؤه على نصوص جهادية، وأفكار على غرار الولاء والبراء، وثانيها ماضي قومه الزاهر، حيث أنهم كانوا القوة العالمية المهيمنة قبل صعود الأوروبيين، وثالثها حاضر قومه البائس، من فقر وتخلف وجهل وقمع. هذه الأمور الثلاثة تتفاعل وتوفر بيئة خصبة للتطرف، ومن ثم للإرهاب.

    هل ستكتب المزيد عن الموضوع؟

أجل. إذا رغبت أن أكتب عن شيء محدد راسلني من فضلك

    ما الغاية من إعلان إلحادك؟

إذا استجمعت الشجاعة يوماً لإعلان إلحادي تحت اسمي الحقيقي وأمام أصدقائي، فستكون غايتي الرئيسية إشعار الملحدين المختبئين من معارفي أنهم ليسوا وحدهم، وأن هناك من يمكنهم فض مشاعرهم وأفكارهم إليه.

Comments

Popular Posts